لأن الخمار من وسائل الحجاب الذي أمر الله به المرأة صونا لها وتكريما، فقد أولاه الفقهاء عناية من حيث معناه ومفهومه، وعلام يطلق فضلا عن الأحكام الشرعية المتعلقة به..
¤ التّعريف:
الخمار من الخمر، وأصله السّتر، يقال: خمر الشّيء يخمره خمراً، وأخمره أي ستره، وكلّ مغطّىً مخمَّر يقال: خمّرت الإناء أي غطّيته، وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «خمّروا آنيتكم» وفي رواية: «خمّروا الآنية وأوكئوا الأسقية».
وكلّ ما يستر شيئاً فهو خماره، لكنّ الخمار غلب في التّعارف إسماً لما تغطّي به المرأة رأسها، يقال: إختمرت المرأة وتخمّرت: أي لبست الخمار، وجمع الخمار خمر، قال اللّه تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31].
ولا يخرج المعنى الإصطلاحيّ للخمار في الجملة عن المعنى اللّغويّ السّابق، لأنّ بعض الفقهاء يعرّفونه بأنّه: ما يستر الرّأس والصّدغين أو العنق.
الألفاظ ذات الصّلة:
أ= الحجاب:
الحجاب: السّتر، يقال: حجب الشّيء يحجبه حجباً وحجاباً، وحجبه: ستره، وإمرأة محجوبة: قد سترت بستر، فالحجاب أعمّ من الخمار.
ب= القناع:
القناع ما تتقنّع به المرأة من ثوب تغطّي رأسها ومحاسنها، ونحوه المقنّعة وهي ما تقنع به المرأة رأسها، قال صاحب القاموس: القناع أوسع منها.
ويطلق بعض الفقهاء القناع على الثّوب يلقيه الرّجل على كتفه، ويغطّي به رأسه ويردّ طرفه على كتفه الآخر.
والقناع أعمّ وأشمل في السّتر من الخمار، أو هو يخالفه بإطلاق بعض الفقهاء.
ج= النّقاب:
النّقاب ما تنتقب به المرأة، يقال: إنتقبت المرأة وتنقّبت: غطّت وجهها بالنّقاب.
ويعرّف ابن منظور النّقاب بأنّه: القناع على مارن الأنف، ثمّ يقول: والنّقاب على وجوه.
قال الفرّاء: إذا أدنت المرأة النّقاب إلى عينها فتلك الوصوصة، فإن أنزلته دون ذلك إلى المحجر فهو النّقاب، فإن كان على طرف الأنف فهو اللّفام.
وكلّ من الخمار والنّقاب يغطّى به جزء من الجسم، الخمار يغطّى به الرّأس، والنّقاب يغطّى به الوجه.
د= البرقع:
البرقع لغةً: ما تستر به المرأة وجهها.
[] الأحكام المتعلّقة بالخمار:
أوّلاً: إرتداء المرأة الخمار عموماً:
إرتداء المرأة الحرّة الخمار بوجه عامّ واجب شرعاً، لأنّ شعر رأسها عورة بإتّفاق، وقد أمرت المرأة بضرب الخمار على جيبها في قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} قال القرطبيّ: سبب هذه الآية أنّ النّساء كنّ في ذلك الزّمان إذا غطّين رءوسهنّ بالأخمرة، وهي المقانع سدلنها من وراء الظّهر فيبقى النّحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك، فأمر اللّه تعالى بليّ الخمار على الجيوب، وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها. قالت عائشة رضي الله عنها: إنّما يضرب بالخمار الكثيف الّذي يستر.
ثانياً: المسح على الخمار في الوضوء:
مسح الرّأس في الوضوء فرض تواترت عليه الأدلّة من الكتاب والسّنّة والإجماع، والفرض الّذي تواترت عليه الأدلّة هو أصل المسح.
لكن ممّا إختلف فيه المسح على الخمار:
*القول الأول:
قال الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة: لا يجزئ في الوضوء مسح المرأة خمارها وحده دون مسح رأسها، إلاّ إذا كان الخمار رقيقاً ينفذ منه الماء إلى شعرها، فيجوز لوجود الإصابة.
ولأنّه لا حرج في نزعه، والرّخصة لدفع الحرج، ولأنّ قوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} يقتضي عدم جواز مسح غير الرّأس.
*القول الثاني:
والرواية المعتمدة عند الحنابلة: يجوز، لأنّ أمّ سلمة كانت تمسح على خمارها، ذكره ابن المنذر، وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه أمر بالمسح على الخفّين والخمار، ولأنّه ملبوس للرّأس معتاد يشقّ نزعه فأشبه العمامة.
ثالثاً: لبس الخمار في الصّلاة:
اتّفق الفقهاء على أنّ من شروط الصّلاة ستر العورة، ومن العورة الّتي يشترط سترها في الصّلاة شعر المرأة، فيجب على المرأة الحرّة البالغة أن تخمّر رأسها في الصّلاة، أي تغطّيه بخمار كثيف لا يشفّ، فإن لم تفعل كانت صلاتها باطلةً، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار» والمراد بالحائض البالغة، لأنّ الحائض فعلاً أثناء حيضها لا صلاة لها، لا بخمار ولا بغيره، فكان التّعبير بلفظ الحائض مجازاً عن البالغة لأنّ الحيض يستلزم البلوغ.
رابعا: لبس الخمار في الإحرام:
اتّفق الفقهاء على أنّ من محظورات الإحرام بالنّسبة للرّجل تغطية الرّأس، وعلى أنّ المرأة الحرّة لا تكشف رأسها في الإحرام -كما يفعل الرّجل- لأنّ رأسها عورة يجب سترها، وعليها أن تخمّر رأسها بما يستره ستراً كاملاً، ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر قوله: أجمع أهل العلم على أنّ للمحرمة لبس القمص والدّروع والسّراويلات والخمر والخفاف.
خامسا: الخمار في كفن المرأة:
اتّفق الفقهاء على أنّ أقلّ الكفن الضّروريّ المقدور عليه ما يغطّي بدن الميّت رجلًا كان أو امرأةً إلاّ رأس المحرم ووجه المحرمة، وعلى أنّ الأفضل في الكفن للمرأة خمسة أثواب: إزار تستر به العورة، وخمار يغطّى به الرّأس، وقميص، ولفافتان.
قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفّن المرأة في خمسة أثواب، وإنّما إستحبّ ذلك لأنّ المرأة تزيد في حال حياتها على الرّجل في السّتر لزيادة عورتها على عورته فكذلك بعد الموت، وقد روى أبو داود بإسناده عن ليلى بنت قائف الثّقفيّة رضي الله تعالى عنها قالت: كنت فيمن غسّل أمّ كلثوم رضي الله تعالى عنها بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أوّل ما أعطانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الحقو، ثمّ الدّرع، ثمّ الخمار، ثمّ الملحفة، ثمّ أدرجت بعد ذلك في الثّوب الآخر.
المصدر: موقع رسالة المرأة.